الفصل الثالث
عندما كنت في منزلي أراجع نصوصي لأستعد للتصوير في الغد جاءني اتصال من
هاتف منزلي , لم أكن أعلم أن هذا الاتصال سيجعل قلبي ينفطر , لقد كان الاتصال من
مركز الشرطة معلنا أن أخي العزيز قد مات في حادث سيارة , لم أفهم جيدا ما قالوه لي
بل توقف عقلي عن التفكير , لم تعد قدماي تحتمل ثقل جسدي حتى جلست على الأرض , بعد
فترة توجهت إلى مركز الشرطة لكن كانت الأجواء فظيعة الكل بدأ يتهامس ويقول إن هذا
عار على الشرطة , لم أكن أعي ما يجري ولكن جملة واحدة أغضبتني والدموع التي كتمتها
طول الطريق انهمرت كالشلال لقد كانت " الضابط أويس عار علينا " كيف
يقولون هذا لشخص كرس حياته من أجل الآخرين , لم يفكر بنفسه أو مستقبله قدر ما فكر
بشأن الآخرين , هل هؤلاء يعرفون من يكون أخي الحبيب ؟ مسكت قميص الرجل الذي تفوه
بهذا وقلت :" أيها الوغد من هو العار عليكم ؟ ها ؟ أخي لم يكن عار على أحد , أخي
هو شخص يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ ... إلخ " قلت أشياء كثيرة وبلا توقف
حتى سمعت صوت أحدهم يقول :" يا آنسة الضابط
كان يقود السيارة وهو مخمور , استفسري قبل أن تصرخي على أحد " صعقت
كثيرا مما قال وبدأت يداي بالارتجاف حتى ابتعدت من قميص الشرطي وقلت باستهزاء
مصاحبه الحزن :" ها ؟ تقول كان مخمور ؟ أخي لم يضع قطرة واحدة منه في فمه ,
وتقول عنه مخمور أي غباء هذا ؟ " رد على قائلا :" تحليل الدم يثبت ذلك
لذا توقفي عن ازعاجنا واذهبي لتفقد جثته بدلا من تضييع وقتك على الصراخ " أنا
لم أصدق قط ما يجري , أي اتهام ذاك ؟ أخي ليس هذا النوع من الرجال , أيعقل أنه
تغير بعد أن افترقنا ؟ ولكنه كان طبيعي معي في الظهيرة , لقد كان يضحك ويسأل عن
أحوالي , لقد أخبرني بأنه سيتزوج , لقد أخبرني بأنها امرأة جميلة وأنه يحبها كثيرا
, فلماذا عليه أن يموت ؟ أعني أخي ليس أحمقا ليموت ميتة سخيفة كتلك , إن كان يتوجب
عليه الموت فطريقة موته يجب أن تكون في وضح يظهر مدى شهامته لا وضاعته , في ذلك
اليوم لم أجرؤ على رؤية جثته ليس ذلك وحسب بل لم أقدر على الذهاب إلى الجنازة ,
هذا لأني لم أشأ أن أصدق ما جرى وأني أريد أن أتذكر ابتسامة أخي الذي قابلته ظهر
هذا اليوم .
لم أشأ أن أطلب عطلة من العمل لأني أردت أن يكون كل شيء طبيعي , أنا وأخي
ما زلنا منفصلين كل واحد بحياته , أخي لم يمت , ولكن كلما حاولت نفي ما يجري كلما
كان الواقع قاسي , فإن أخي لم يعد من هذا العالم لقد انتقل إلى مكان بعيد جدا لا
يمكنني الوصول إليه مهما حاولت , بعد يومين من حادثة أخي حلمت بحلم غريب لقد كان
واقعيا جدا , لقد ظهر أخي في حلمي وقد كان حزينا للغاية , فكرت كثيرا هل هو حزين
لأنه مات ؟ أم أنه حزين لأني لم أودعه ؟ لست أدري لذا قررت أن أذهب إلى قبره ,
قررت زيارته قبل الذهاب إلى فندق الفجر , ولكني لم أكن أتوقع أني سأظل أمام قبره
مدة طويلة لدرجة تنسيني الوقت , عندما خطوت خطوة باتجاه قبره شعرت أن قلبي يتمزق
وأني لا أستطيع بلع ريقي وكنت أتنفس بصعوبة والدموع تتساقط وكأنها تتسابق مع بعضها
, الشيء الذي أمام ناظري هو قبر أخي الذي أحببته أكثر من والدي , هذا صحيح أخي مات
فعلا , في ذلك الوقت أقسمت أمام قبره بأني سأثبت للجميع بأن أخي لم يمت بسبب تهوره
واهماله , أعرف أخي جيدا , وأنه يستحيل حدوث ذلك له , وأنه لابد من وجود خطب ما ,
خطب لا يمكن للشرطة العثور عليه ولكني
سأعثر عليه مهما كلف هذا , حتى لو كلف حياتي , في الواقع لست ذكية مثل أخي ولا
أعرف من أين أبدأ لمعرفة ما يجري , ولكن سأفعل كل ما هو ضروري لأثبت ذلك , عندما
أقسمت هذا القسم فهمت شعور أخي عندما لم يصدق موت السيد ثي , وأعتقد أيضا بأن أخي
قد أقسم على تبرئته كما أقسمت أنا , هذا لأننا أشقاء وتفكيرنا واحد .
والآن يتهمني أحد بأني قاتلة ,
هذا مبالغ فيه , من يظن نفسه هذا الشرطي ؟ هل الشرطة حقا بهذا الغباء ؟ نظرت له
وقد كان كلامي كله استهزاء :" أنا ؟ هل أنت بكامل قواك العقلية أيها الشرطي ؟
أم أنك غبي وحسب ؟ " نظر إلي باستغراب وقال :" غبي ؟ لماذا الجميع
يقولون أن الشرطة حفنة من الأغبياء ؟ هل هذه هو الشائع عند عامة الناس ؟ "
استغربت من كلامه وقلت :" ما الذي تعنيه ؟ " رد علي قائلا :" ما
أعنيه زوجة السيد دثيث قالت نفس الشيء " كنت مصدومة مما قال , كيف يعرفها ؟
وهل قابلها ؟ متى وأين ؟ من يكون هذا الشرطي بالضبط , قطع ذلك الشرطي حبل أفكاري
قائلا :" أتريدين أن تعرفين لماذا أنا أعرف زوجة السيد دثيث أو المدعو ثي ؟
لا , هذا خطأ قبل أن تشرعي بالأسئلة أليس من المعقول أن تجدي طريقة لإبعاد اصبع
الاتهام تجاهك ؟ " تفاجأت من كلامه الفظ إلا أنه محق في كلامه , ولكن ما الذي
يعنيه بأن أجد طريقة لإبعاد اصبع الاتهام ؟ أهذا يعني أني لست القاتلة , ما أعنيه
أنه لم يشك بي ؟ سألته مباشرة :" أتريد القول أني لست القاتلة ؟ " رد
علي :" ما هذا ؟ ألا تثقين بنفسك ؟ " في ذلك الوقت ولأول مرة في حياتي
أشعر بذلك الذل , كيف يجرؤ على اهانتي ؟ لقد كان انطباعي الأول عنه فظيعا للغاية ,
قال لي وهو واثق من نفسه :" حسنا في الواقع أنت لست القاتلة وإنما حيلة مدبرة
من أحدهم ليضرب عصفورين بحجر واحد , ولكني أشك أن أحد من الشرطة ستكتشف ذلك "
سألته متعجبة :" عصفورين ؟ هل يريد أحد اتهامي ؟ ولكن لماذا ؟ وأيضا لما
الشرطة لن تكتشف ذلك ؟ " رد علي :" لأنك الوحيدة التي لم تكوني موجودة
عند وصول الشرطة , وقد تركتي انطباعا غريبا عندهم , وللشرطة عادة فظيعة ما إن
يشكون بأحد فإنهم لا يتركوه أبدا , ما أريد قوله عندما قالت الآنسة رنا بأنك قمت
بعملية القتل وأنك ستتسترين خلف الضابط أويس وخاصة أن الضابط أويس ذو مكانة مرموقة
عند قسم الشرطة , فقد كانت ملامح وجهك غريبة , الشرطة ستشك بأنك خائفة من اكتشاف أحد ما خطتك "
قلت له :" ولكن كنت أكره أن يتحدث أحد عن أخي " ابتسم لي وقال :"
ومن سيصدق ذلك ؟ ألم تكونا على علاقة سيئة ؟ " فعلا لقد كان محقا علاقتنا لم
تكن جيدة ولكن رغم ذلك كنت أحب أخي كثيرا , تابع كلامه وقال :" ما رأيك بصفقة
؟ أن أظهر الحقيقة وأبرئك في المقابل ستجيبين عن كل أسئلتي ؟ ولكن هنالك سؤال مهم
أريد أن أوجهه لك , هل قابلتي أحد من هؤلاء الثلاثة قبل مجيئك إلى هنا ؟ "
تفاجأت مما قال , ما هذا الذي يقوله ؟ أليست وظيفته هي اظهار الحقيقة ؟ ولكن ما
أدهشني أكثر كيف علم أني قابلت أحد منهم , وقد كانت علامات الدهشة واضحة في وجهي حيث
قال لي :" إذا أنا مصيب فيما قلت " في ذلك الوقت لاحظ الشرطة طلاء
الأظافر واتجهوا نحوي ليلقوا نظرة على أظافري , كنت مرعوبة قليلا ولكني نظرت إلى
ذلك الشرطي لعله يتحدث بشأن الأمر , ولكنه لم ينطق بحرف ,أخذت الشرطة عينة من طلاء
الأظافر خاصتي ليحللوه , ما إذا كان الطلاء نفسه الذي عند الضحية , قال لي الرئيس
:" اعذرينا يا آنسة ولكن إذا كان الطلاءان متوافقين فذلك سيكون دليلا ضدك
" قلت له :" وهل هذا كاف لإدانتي ؟ " رد علي :" بالطبع , فكما
ترين الضحية بدت أنها تقاوم الجاني وخلال ذلك خدش ظفر الجاني أثناء المقاومة , لذا
هذا دليل قاطع لإدانتك " في ذلك الوقت لم أفهم ما يجري لماذا لا يقول ذلك
الشرطي الحقيقة ؟ أليس هذا واجبه ؟ أم أنه يستفزني ؟ لقد كان ينظر إلى الجثة بصمت
من دون لمسها وبعد ذلك بدأ يلف حول الثلاثة الآخرين , اعتقدت حينها بأنه يبحث عن
دليل لإثبات ما قاله لي, بعد أن انتهت الشرطة من معاينة الجثة والتقاط الصور لها تم رفعها من أجل نقلها لتشريحها , وهنا لاحظت الشرطة اليد
اليسرى للضحية التي كانت موضوعة أسفل جسده , كانت يده اليسرى غريبة فإصبعه الإبهام
موضوعة فوق السبابة , والخنصر مثني أما الوسطى والبنصر فهما مرفوعتان بانحناء بسيط
, حاولت الشرطة استيعاب الأمر ولكنها لم تفلح ولكن الشخص الوحيد الذي بدا فرحا مما
رآه هو ذلك الشرطي وغادر موقع الجريمة في
الحال , عرفت حينها أنه فهم ما تعنيه تلك العلامة وأنه ذاهب إلى مكان ما ليتابع
تحرياته , ظهرت نتيجة التحليل أخيرا , وقد
تطابق الطلاءان , كنت في موقف محرج ولأني لم أكن أفكر بشكل جيد بسبب الضغط الذي
وقع علي , خاصة أن الشخص الوحيد القادر على تبرئتي غير موجود , أين هو ؟ وما الذي
يؤخره ؟ لقد كنت في غاية الخوف شعرت وكأني وسط ذئاب جائعة تستعد لتهجم علي , لقد كنت مثل
الدمية يتحكم بها ذلك الرجل , لقد تحكم بي بالكامل , لم يستغرق إلا بضع دقائق حتى
عاد ولكن بالنسبة لي كانت دهرا , فبمجرد
وصوله قلت وبصوت مسموع :" لقد فهمت , تلك الصفقة سأقبل بها " كان الجميع
متعجبا مما قلته ولكن كان ذلك الشرطي ينظر إلي و الابتسامة تعلو وجهه , من هنا
عرفت بأني خسرت أمامه , وأني فقدت كل كرامتي , وقد قال :" لحظة من فضلك أيها
الرئيس فأنا عندي تفسير آخر لما جرى " الرئيس :" ماذا ؟ تفسير ؟ حسنا
أسمعنا ما تريد " الشرطي :" حسنا لنعد عند نقطة البداية حينما ذهبت
الضحية لتتمشى في ذلك الوقت قابلت القاتل وقام القاتل بطعن الضحية , وعلى حسب ما
توصلنا إليه أن الضحية كانت تقاوم القاتل ومسكت يده عندما طعنت , وفي هذه الأثناء
خدشت الضحية ظفر القاتل , ولكن آلا يوجد احتمال بأن هنالك من دبر مؤامرة
ليوقع بالآنسة لجين ؟ " في ذلك الوقت بدت علامات الدهشة تعلو على وجوه
الحاضرين , فسأله الرئيس :" فسر ما تعنيه أيها الضابط ساري " رد عليه
:" يا سيدي هل خطر ببالك أن أحدهم استخدم نفس طلاء الأظافر الخاص بالآنسة
لجين ليوقع بها ؟ " رد قائلا :" ماذا ؟ استخدم نفس الطلاء ؟ ولكن هل هذا
معقول ؟ " أجابه الشرطي :" سيكون معقول إن عرف القاتل أي لون وأي علامة
تجارية تستخدم الآنسة , اليس هذا صحيح ؟ " أجاب الرئيس :" حسنا هذا
معقول جدا , ولكن على أي أساس تفترض ذلك ؟ " رد عليه الشرطي :" حسنا
سيكون مجرد افتراض من غير دليل إلا إذا وجدت دليلا يظهر قاتلا آخر غير الآنسة لجين
, ألا توافقني الرأي يا سيدي ؟ " نظر الرئيس إلى هذا الشرطي بنظرات قاسية
وبعدها أغمض عينيه وتنهد وثم قال :" أيها الضابط ساري هل تريد القول أنك تعرف قاتلا غير الآنسة وتملك
ديلا ؟ أم أنك تضع احتمالات من دون اثبات صحتها ؟ " لقد كان الرئيس صارما جدا
وقد بدى وكأنه يريدني سجينة عندهم , على أية حال لم أحب هذا الرئيس قط , فهو الذي
أصر أن أخي كان يشرب الخمر , تابع هذا الضابط حديثه :" لا يا سيدي , كلامي
مدعوما بالدليل لهذا اسمح لي بأن أوضح كل شيء " أماء إليه الرئيس فشرع هذا
الشرطي بالكلام " عندما كانت الضحية في الطابق 22 وبعدها وصل القاتل وأجهز
عليه ومن ثم إما استخدم ظفره أو ظفرا اصطناعيا عليه طلاء مماثل للآنسة لجين وذلك
ليتهمها , في الواقع لا أملك دليلا يثبت ذلك لأن القاتل قد يكون أخفى هذا الدليل
خاصة وأنه دليلا غير واضح , ولكن نستطيع القول بأنه لم ينتبه على شيء ما , ما
أعنيه هل تعرف يا سيدي معنى تلك العلامة التي تركتها الضحية ؟ " أجاب الرئيس
:" أه تقصد يده اليسرى ؟ حسنا أعتقد أنها بلا فائدة " تابع الشرطي كلامه
:" هل هنالك أحد معه مصباح ؟ " كان الجميع ينظرون باتجاه بعضهم وكأنهم
يقولون ما دخل المصباح بالقضية , تقدم أحد الشرطة و أخرج هاتفه وشغل المصباح الخاص
بالهاتف وقال :" أهذا كاف أيها الضابط ساري ؟ " أجابه الشرطي :"
نعم , هذا كاف شكرا لك " في هذه الأثناء كان الشرطي يحاول تقليد وضعية يد
الضحية وبعد ذلك وجه الشرطي الآخر الضوء باتجاه اليد , كان ظل يده يصنع شكل أرنب ,
في الواقع لا أعرف ما معنى هذا ؟ أرنب ؟ وما به الأرنب ؟ ولماذا الضحية تصنع هذا
الشكل ؟ ولكني لست الوحيدة التي فكرت بهذا , فوجوه الحاضرين تدل على ذلك ,تحدث ذلك
الشرطي ليعطينا تفسيرا عما قام به :" حسنا الشكل الذي كان يريد السيد أن
يوضحه للشرطة هو الأرنب , ولكن هذا الأرنب سيوضح لنا من هو القاتل " سأله
الرئيس :" أيها الضابط هل تريد القول أن رسالة الميت هي الأرنب ؟ ولكن ما به
الأرنب ؟ " رد عليه :" أليس هذا واضحا يا آنسة رنا ؟ " نظر الجميع
باتجاهها وتفاجأنا من شيء , لقد كانت الآنسة رنا تضع قلادة على شكل أرنب وأقراط
الأذن كذلك , قالت الأنسة رنا بتلعثم :"
ماذا إذا كنت أرتدي هذا ؟ قد تكون مصادفة ؟ هذا ليس دليلا , توقف عن اتهامك هذا
أيها الشرطي " قال وكله ثقة :" أنت محقة هذا ليس كافيا , ولكن لماذا
ترجفين وتتصببين عرقا وتتلعثمين أثناء حديثك ؟ على أية حال هذا ليس الدليل الوحيد
, فكيف ستفسرين وجود هذا في سلة القمامة الموجودة في حمام الطابق الأول ؟ "
نظرت الآنسة رنا إلى يده وقد كان يحمل سوارا على شكل أرنب ولكن الغريب في الأمر أن
هذا السوار يحمل دماء , تابع كلامه :" عنما لاحظتي تلوث سوارك أدركت أنه
سيكون دليلا لإدانتك , لذا أن تتخلصي منه فكرة ذكية وأيضا تتخلصين منه في الدور
الأول فكرة أكثر من ذكية حيث لن ينتبه أحد بذلك , ولكن أتدرين سمعت أحدهم مصادفة
يقول بسخرية { لقد رأيت الممثلة رنا تذهب إلى حمام الخاص بالعمال } وحينها وجدت
هذا هناك , مثير للسخرية صحيح ؟ " كانت الآنسة رنا مضطربة فقد كشفت حيلتها
للعلن , قلت بعد ذلك :" لماذا كنت تحيكين مؤامرة ضدي ؟ وليست أي مؤامرة , رنا
أجيب على سؤالي " وعندما بدأت الآنسة رنا بالحديث قاطعها ذلك الشرطي قائلا
:" لا أحب سماع الأعذار من قاتل , فلا يوجد أي مبرر يسوغ عملية القتل "
صرخت الآنسة رنا بأعلى صوت :" وما أدراك أنت بما عانيته بسببهما , ومن أنت
لتحكم بأنه ليس لي عذر ؟ " حسنا لقد كان قاسيا معها ولكنه أصبح أقسى فلقد
كانت ملامحه جادة وعصبية وقال :" من أنا ؟ أنا شرطي والشرطة تحافظ على
القوانين وتراقب عامة الناس ليحافظوا عليها , أنا من يجب أن يسأل من أنت لتكسري
القوانين ؟ ومن أنت لتسلبي حياة إنسان ؟ هل أنت آلهة ؟ " حديثه بث الخوف في
نفس الآنسة رنا , ولكن ما قاله صحيح نحن لسنا آلهة لنتحكم بحياة البشر , وضعت الشرطة
الأغلال على الآنسة رنا وقبل أن يأخذوها إلى قسم الشرطة لمتابعة التحقيق سأل
الرئيس الشرطي :" أليست الفتيات يغيرن ألوان أظافرهن باستمرار ؟ إذا لماذا
استخدمت هذه الحيلة ؟ فما أدراها بطلاء الآنسة لجين ؟ " أجاب عليه :"
هذا لأن الآنسة لجين التقت بها قبل موعد الغداء
" فقلت :" هذا صحيح فقد التقيت بالآنسة رنا لأنها اتصلت بي
" سأل أحد الشرطة :" ولكن حتى إذا قابلت الآنسة رنا بالآنسة لجين فهل من
المعقول أن تعرف نوع صبغ الأظافر المستعمل ؟ فكما هو معروف هنالك علامات تجارية
كثيرة " أجبت على سؤاله :" هذا صحيح ولكنا نحن الممثلات لا نستخدم أي
علامة , فأغلب أدوات التجميل نشتريها من شركة SSA , وأيضا
الجميع يعلم أني أستخدم هذه العلامة " على أية حال لم أعد أهتم بالقضية وسبب
اتهامها لي وإنما كنت مرتبكة عما سيحدث لي بعد ذلك , وأي استجواب سأحصل عليه من
قبل هذا الشرطي ؟ قبل مغادرة الشرطي تبادلنا أرقام الهواتف النقالة من أجل الصفقة
, ومازال عقلي مشغولا بكلامه وعن المصير الذي ينتظرني , في اليوم التالي ارسل
إلي رسالة كانت محتواها لنلتقي في أحد
المطاعم أثناء وقت الغداء , لقد كنت متفرغة بسبب الغاء جلسة التصوير لما حدث
البارحة .
دخلت إلى
ذلك المطعم كان ذلك الشرطي ينتظرني بالفعل , جلست أمامه وقلت :" اعذرنا على
تأخري " رد علي :" لا بأس , ماذا تطلبين ؟ " قلت له :" دعك من
الطعام في الوقت الحالي , فأنا أريد أن أعرف ما يدور في خلدك " في الواقع لم
تكن لي شهية بسبب الأفكار التي أحاطت بي ليلة البارحة لدرجة منعتني من النوم ,
فقال :" حسنا اهدئي رجاء فأنا أريد أن أعرف أشياء عن الضابط أويس "
تعجبت من كلامه قائلة :" أخي ؟ ما الذي تريده من أخي ؟ " أجاب :"
حسنا هنالك عدة أسباب تجعلني أعتقد أن موته مدبر لا اهمال لذلك أحتاج مساعدة
المقربين منه " ما هذا ؟ أهناك شخص آخر غيري مهتم بموت أخي ؟ لحظة ما علاقته
بأخي ؟ ولأي مدى وصل في تحقيقه ؟ " لحظة يا سيد ساري , قلت عدة أسباب , صحيح
؟ إذا فالشرطة تبحث بشأن القضية ؟ " رد علي :" بتأكيد لا , فقد اغلقت
القضية بالفعل , والأسباب التي منعتني من تصديق الأمر هي أسباب شخصية , لا دليل
ملموس " سألته :" إذا ما علاقتك بأخي وأيضا أسمعني أسبابك :"
أجابني بوقاحة :" يا آنسة أنا من يسأل هنا وليس العكس , هل نسيت الصفقة ؟
" كما توقعت ذلك الرجل الحقير يريد إذلالي ولكن أنا من وضعت نفسي في هذا
الموقف فقلت له :" حسنا اسأل ما تريد "
ساري :علاقتك مع أخوك سيئة ولكن أنت تحبينه ما معنى ذلك ؟
أنا : قبل سنتين ونصف أخبرني أخي بأنه لا يريد أن يعيش معي وأنه يريد قطع
العلاقة التي بيننا .
ساري : يريد قطعها ؟ لماذا ؟ ولماذا
تقبلت الأمر ؟
أنا : لا أدري لماذا ولكن وجدت نفسي عائقا في طريقه لذا نفذت ما يريد , حتى
أنه أراد مني قول أن علاقتنا سيئة في أحد مقابلاتي .
ساري : عائق ؟؟؟
أنا : امممم كيف أشرح ذلك ؟ حسنا والداي ماتا وأنا صغيرة وأخي ضحى بأشياء
كثيرة ليعتني بي , لو كنت مكاني لاعتقدت أنك عائق .
ساري : أها فهمت , إذا والداك كيف ماتا ؟
أنا : ماتا في حادث لأن والدي مخمور , أليس والدي أحمق وقد أخذ أمي معه ,
أما أخي فقد اهتم بي من دون أي شكوى .
ساري : يبدو كأخ جيد , عندما قطعت علاقتكما هل تحدثتما طوال هذه المدة ولو
كلام غير مهم ؟
أنا : لا , لم نتحدث بأي موضوع ,
خاصة أنه غير رقم هاتفه وانتقل إلى مكان آخر , لم يعطني أي بيانات عنه .
ساري : هذا غريب , ولكن كيف التقيتما بعد هذه المدة الطويلة ؟
أنا : كانت مصادفة .
ساري : ما الحوار الذي دار بينكما ؟
أنا : لم يكن بتلك الأهمية ولكنه قال لي بأنه يمكننا العيش معا .
ساري : أهذا كل شيء ؟
أومأت إليه بالإجاب , في الواقع الحوار الذي دار بيننا كان مهما بالنسبة
إلي ولكن لم أشأ أن أخبره بما جرى .
في يوم مقتل أخي في وقت الظهيرة التقيت به مصادفة , كنت أريد الركض باتجاهه
و أبتسم كعادتي , ولكن ما أخبرني به قبل سنتين جعلتني أراقبه من بعيد حتى تقابلت
نظراتنا , أشحت بنظري سريعا وعندما التفت ثانية باتجاهه وجدته أمام عيني " أه
أخي , لقد مرت مدة منذ آخر لقاء , لم أكن أراقبك أو أي شيء لقد كانت ... "
قام أخي بضمي إليه وقد كانت يداه الكبيرتان تضماني بقوة وكأنه لا يريد افلاتي وقد
كان يقول :" آسف يا لجين أنت بتأكيد عانيتي , أنت ما زلت صغيرة وأنا تركتك
لوحدك , أنا حقا آسف " لقد انهمرت الدموع من عيني ولم أستطع رؤية من حولي من
كثرت الدموع , هذا الشخص الذي يضمني بقوة هو أخي الذي كان يعتني بي , هذا الشخص هو
أخي الذي ضحى بكل شيء من أجلي , لقد عاد أخي بعد طول غياب , الحمد لله , كان
الجميع من حولنا ينظرونا إلينا بدهشه , نظراتهم وكأنها تقول ما الذي يفعلانه في
مكان كهذا , لقد شعرت بالإحراج ولكن أن يكون أخي هو الذي يضمني فلا يهمني العالم
وما يجري فيه , فأنا أريد من تلك اللحظة أن تدوم للأبد , دعاني أخي إلى مطعم قريب
وبدأ يسأل عن أحوالي " أنا بخير يا أخي , لا تقلق بشأني , ماذا عنك ؟ "
أجاب :" أنا بخير ولكن جيد أني التقيت بك , كنت أريد زيارتك ولكن لا أملك
عنوانك أو رقم هاتفك " ضحكت قليلا وقلت :" أخي أنا ما زلت أعيش في نفس
المكان ولم أغير رقم هاتفي " تعجب من ردي وسأل :" لماذا ؟ لقد مرت سنتين
بالفعل " قلت له وبصوت حزين :" لأني إن غيرت رقم هاتفي أو مكان إقامتي ,
فإذا عدت إلي ولم تجدني حينها أنا .. " وبدأت بالبكاء , أخذت يد أخي الكبيرة
بمسح دموعي , وقلت في نفسي مر وقت طويل منذ أن لمستني تلك اليد الدافئة , قال أخي
:" أنا حقا آسف ولكن من الآن وصاعدا سيعود كل شيء كما كان , بمكننا العيش معا
ونتقابل كل يوم , ويمكنني أخذك إلى موقع التصوير كما كنت أفعل سابقا " قلت من
الفرحة :" حقا ؟ حقا يا أخي ؟ كل شيء سيعود كما كان ؟ " رد علي بصوت
يملأه الحنان :" بالتأكيد ثقي بي , آه صحيح , انظري إلى يدي " نظرت إلى
يده وكان يضع خاتما في اصبعه , فسألت :" أخي ما معنى هذا ؟ " ابتسم
قائلا :" قريبا سأتزوج , إنها فتاة لطيفة وتمتلك شخصية قوية وهي شرطية أيضا ,
أريدك أن تقابليها , أعتقد أنك ستحبينها " تفاجأت أن أخي بدأ يفكر في نفسه ,
فهو دائما ما يقلق علي , صحيح أن زواجه يعني أن اهتمامه سينصب على عائلته الجديدة
وليس على , ولكن إذا كانت هذه سعادة أخي فأنا أريده أن يسعى إليها , قلت له
:" واو مبارك يا أخي , لا أصدق أن أخي سيتزوج , أي بشرى سارة تلك ؟ ولكن أخي
هل أنت سعيد ؟ " كان أخي مستغربا لسؤالي حيث قال :" ما الذي تعنينه ؟
" قلت له :" أخي هل أنت سعيد معها " رد على :" نعم بالتأكيد
وسأكون سعيدا إذا ما توافقتما معا , وأيضا أريدك أن تعيشي معنا " ابتسمت قائلة
:" كونها شخص اختارها أخي فهي بالتأكيد إنسانة ممتازة , وبالنسبة للعيش معا
دعني أفكر بالأمر " قال مبتسما :" حسنا لك ذلك " كان هذا اليوم آخر
يوم لي أرى أخي مبتسما , وأول وآخر مرة أتحدث إليه منذ انفصالنا .