الاثنين، 19 أكتوبر 2015

الفصل الثالث

الفصل الثالث
     عندما كنت في منزلي أراجع نصوصي لأستعد للتصوير في الغد جاءني اتصال من هاتف منزلي , لم أكن أعلم أن هذا الاتصال سيجعل قلبي ينفطر , لقد كان الاتصال من مركز الشرطة معلنا أن أخي العزيز قد مات في حادث سيارة , لم أفهم جيدا ما قالوه لي بل توقف عقلي عن التفكير , لم تعد قدماي تحتمل ثقل جسدي حتى جلست على الأرض , بعد فترة توجهت إلى مركز الشرطة لكن كانت الأجواء فظيعة الكل بدأ يتهامس ويقول إن هذا عار على الشرطة , لم أكن أعي ما يجري ولكن جملة واحدة أغضبتني والدموع التي كتمتها طول الطريق انهمرت كالشلال لقد كانت " الضابط أويس عار علينا " كيف يقولون هذا لشخص كرس حياته من أجل الآخرين , لم يفكر بنفسه أو مستقبله قدر ما فكر بشأن الآخرين , هل هؤلاء يعرفون من يكون أخي الحبيب ؟ مسكت قميص الرجل الذي تفوه بهذا وقلت :" أيها الوغد من هو العار عليكم ؟ ها ؟ أخي لم يكن عار على أحد , أخي هو شخص يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ ... إلخ " قلت أشياء كثيرة وبلا توقف حتى سمعت صوت أحدهم يقول :" يا آنسة الضابط  كان يقود السيارة وهو مخمور , استفسري قبل أن تصرخي على أحد " صعقت كثيرا مما قال وبدأت يداي بالارتجاف حتى ابتعدت من قميص الشرطي وقلت باستهزاء مصاحبه الحزن :" ها ؟ تقول كان مخمور ؟ أخي لم يضع قطرة واحدة منه في فمه , وتقول عنه مخمور أي غباء هذا ؟ " رد على قائلا :" تحليل الدم يثبت ذلك لذا توقفي عن ازعاجنا واذهبي لتفقد جثته بدلا من تضييع وقتك على الصراخ " أنا لم أصدق قط ما يجري , أي اتهام ذاك ؟ أخي ليس هذا النوع من الرجال , أيعقل أنه تغير بعد أن افترقنا ؟ ولكنه كان طبيعي معي في الظهيرة , لقد كان يضحك ويسأل عن أحوالي , لقد أخبرني بأنه سيتزوج , لقد أخبرني بأنها امرأة جميلة وأنه يحبها كثيرا , فلماذا عليه أن يموت ؟ أعني أخي ليس أحمقا ليموت ميتة سخيفة كتلك , إن كان يتوجب عليه الموت فطريقة موته يجب أن تكون في وضح يظهر مدى شهامته لا وضاعته , في ذلك اليوم لم أجرؤ على رؤية جثته ليس ذلك وحسب بل لم أقدر على الذهاب إلى الجنازة , هذا لأني لم أشأ أن أصدق ما جرى وأني أريد أن أتذكر ابتسامة أخي الذي قابلته ظهر هذا اليوم  .
     لم أشأ أن أطلب عطلة من العمل لأني أردت أن يكون كل شيء طبيعي , أنا وأخي ما زلنا منفصلين كل واحد بحياته , أخي لم يمت , ولكن كلما حاولت نفي ما يجري كلما كان الواقع قاسي , فإن أخي لم يعد من هذا العالم لقد انتقل إلى مكان بعيد جدا لا يمكنني الوصول إليه مهما حاولت , بعد يومين من حادثة أخي حلمت بحلم غريب لقد كان واقعيا جدا , لقد ظهر أخي في حلمي وقد كان حزينا للغاية , فكرت كثيرا هل هو حزين لأنه مات ؟ أم أنه حزين لأني لم أودعه ؟ لست أدري لذا قررت أن أذهب إلى قبره , قررت زيارته قبل الذهاب إلى فندق الفجر , ولكني لم أكن أتوقع أني سأظل أمام قبره مدة طويلة لدرجة تنسيني الوقت , عندما خطوت خطوة باتجاه قبره شعرت أن قلبي يتمزق وأني لا أستطيع بلع ريقي وكنت أتنفس بصعوبة والدموع تتساقط وكأنها تتسابق مع بعضها , الشيء الذي أمام ناظري هو قبر أخي الذي أحببته أكثر من والدي , هذا صحيح أخي مات فعلا , في ذلك الوقت أقسمت أمام قبره بأني سأثبت للجميع بأن أخي لم يمت بسبب تهوره واهماله , أعرف أخي جيدا , وأنه يستحيل حدوث ذلك له , وأنه لابد من وجود خطب ما , خطب لا يمكن للشرطة العثور عليه  ولكني سأعثر عليه مهما كلف هذا , حتى لو كلف حياتي , في الواقع لست ذكية مثل أخي ولا أعرف من أين أبدأ لمعرفة ما يجري , ولكن سأفعل كل ما هو ضروري لأثبت ذلك , عندما أقسمت هذا القسم فهمت شعور أخي عندما لم يصدق موت السيد ثي , وأعتقد أيضا بأن أخي قد أقسم على تبرئته كما أقسمت أنا , هذا لأننا أشقاء وتفكيرنا واحد .
     والآن يتهمني أحد بأني قاتلة , هذا مبالغ فيه , من يظن نفسه هذا الشرطي ؟ هل الشرطة حقا بهذا الغباء ؟ نظرت له وقد كان كلامي كله استهزاء :" أنا ؟ هل أنت بكامل قواك العقلية أيها الشرطي ؟ أم أنك غبي وحسب ؟ " نظر إلي باستغراب وقال :" غبي ؟ لماذا الجميع يقولون أن الشرطة حفنة من الأغبياء ؟ هل هذه هو الشائع عند عامة الناس ؟ " استغربت من كلامه وقلت :" ما الذي تعنيه ؟ " رد علي قائلا :" ما أعنيه زوجة السيد دثيث قالت نفس الشيء " كنت مصدومة مما قال , كيف يعرفها ؟ وهل قابلها ؟ متى وأين ؟ من يكون هذا الشرطي بالضبط , قطع ذلك الشرطي حبل أفكاري قائلا :" أتريدين أن تعرفين لماذا أنا أعرف زوجة السيد دثيث أو المدعو ثي ؟ لا , هذا خطأ قبل أن تشرعي بالأسئلة أليس من المعقول أن تجدي طريقة لإبعاد اصبع الاتهام تجاهك ؟ " تفاجأت من كلامه الفظ إلا أنه محق في كلامه , ولكن ما الذي يعنيه بأن أجد طريقة لإبعاد اصبع الاتهام ؟ أهذا يعني أني لست القاتلة , ما أعنيه أنه لم يشك بي ؟ سألته مباشرة :" أتريد القول أني لست القاتلة ؟ " رد علي :" ما هذا ؟ ألا تثقين بنفسك ؟ " في ذلك الوقت ولأول مرة في حياتي أشعر بذلك الذل , كيف يجرؤ على اهانتي ؟ لقد كان انطباعي الأول عنه فظيعا للغاية , قال لي وهو واثق من نفسه :" حسنا في الواقع أنت لست القاتلة وإنما حيلة مدبرة من أحدهم ليضرب عصفورين بحجر واحد , ولكني أشك أن أحد من الشرطة ستكتشف ذلك " سألته متعجبة :" عصفورين ؟ هل يريد أحد اتهامي ؟ ولكن لماذا ؟ وأيضا لما الشرطة لن تكتشف ذلك ؟ " رد علي :" لأنك الوحيدة التي لم تكوني موجودة عند وصول الشرطة , وقد تركتي انطباعا غريبا عندهم , وللشرطة عادة فظيعة ما إن يشكون بأحد فإنهم لا يتركوه أبدا , ما أريد قوله عندما قالت الآنسة رنا بأنك قمت بعملية القتل وأنك ستتسترين خلف الضابط أويس وخاصة أن الضابط أويس ذو مكانة مرموقة عند قسم الشرطة , فقد كانت ملامح وجهك غريبة , الشرطة  ستشك بأنك خائفة من اكتشاف أحد ما خطتك " قلت له :" ولكن كنت أكره أن يتحدث أحد عن أخي " ابتسم لي وقال :" ومن سيصدق ذلك ؟ ألم تكونا على علاقة سيئة ؟ " فعلا لقد كان محقا علاقتنا لم تكن جيدة ولكن رغم ذلك كنت أحب أخي كثيرا , تابع كلامه وقال :" ما رأيك بصفقة ؟ أن أظهر الحقيقة وأبرئك في المقابل ستجيبين عن كل أسئلتي ؟ ولكن هنالك سؤال مهم أريد أن أوجهه لك , هل قابلتي أحد من هؤلاء الثلاثة قبل مجيئك إلى هنا ؟ " تفاجأت مما قال , ما هذا الذي يقوله ؟ أليست وظيفته هي اظهار الحقيقة ؟ ولكن ما أدهشني أكثر كيف علم أني قابلت أحد منهم , وقد كانت علامات الدهشة واضحة في وجهي حيث قال لي :" إذا أنا مصيب فيما قلت " في ذلك الوقت لاحظ الشرطة طلاء الأظافر واتجهوا نحوي ليلقوا نظرة على أظافري , كنت مرعوبة قليلا ولكني نظرت إلى ذلك الشرطي لعله يتحدث بشأن الأمر , ولكنه لم ينطق بحرف ,أخذت الشرطة عينة من طلاء الأظافر خاصتي ليحللوه , ما إذا كان الطلاء نفسه الذي عند الضحية , قال لي الرئيس :" اعذرينا يا آنسة ولكن إذا كان الطلاءان متوافقين فذلك سيكون دليلا ضدك " قلت له :" وهل هذا كاف لإدانتي ؟ " رد علي :" بالطبع , فكما ترين الضحية بدت أنها تقاوم الجاني وخلال ذلك خدش ظفر الجاني أثناء المقاومة , لذا هذا دليل قاطع لإدانتك " في ذلك الوقت لم أفهم ما يجري لماذا لا يقول ذلك الشرطي الحقيقة ؟ أليس هذا واجبه ؟ أم أنه يستفزني ؟ لقد كان ينظر إلى الجثة بصمت من دون لمسها وبعد ذلك بدأ يلف حول الثلاثة الآخرين , اعتقدت حينها بأنه يبحث عن دليل لإثبات ما قاله لي, بعد أن انتهت الشرطة من معاينة الجثة والتقاط الصور لها  تم رفعها  من أجل نقلها لتشريحها , وهنا لاحظت الشرطة اليد اليسرى للضحية التي كانت موضوعة أسفل جسده , كانت يده اليسرى غريبة فإصبعه الإبهام موضوعة فوق السبابة , والخنصر مثني أما الوسطى والبنصر فهما مرفوعتان بانحناء بسيط , حاولت الشرطة استيعاب الأمر ولكنها لم تفلح ولكن الشخص الوحيد الذي بدا فرحا مما رآه هو ذلك الشرطي  وغادر موقع الجريمة في الحال , عرفت حينها أنه فهم ما تعنيه تلك العلامة وأنه ذاهب إلى مكان ما ليتابع تحرياته ,  ظهرت نتيجة التحليل أخيرا , وقد تطابق الطلاءان , كنت في موقف محرج ولأني لم أكن أفكر بشكل جيد بسبب الضغط الذي وقع علي , خاصة أن الشخص الوحيد القادر على تبرئتي غير موجود , أين هو ؟ وما الذي يؤخره ؟ لقد كنت في غاية الخوف شعرت وكأني وسط  ذئاب جائعة تستعد لتهجم علي , لقد كنت مثل الدمية يتحكم بها ذلك الرجل , لقد تحكم بي بالكامل , لم يستغرق إلا بضع دقائق حتى عاد ولكن بالنسبة لي كانت دهرا  , فبمجرد وصوله قلت وبصوت مسموع :" لقد فهمت , تلك الصفقة سأقبل بها " كان الجميع متعجبا مما قلته ولكن كان ذلك الشرطي ينظر إلي و الابتسامة تعلو وجهه , من هنا عرفت بأني خسرت أمامه , وأني فقدت كل كرامتي , وقد قال :" لحظة من فضلك أيها الرئيس فأنا عندي تفسير آخر لما جرى " الرئيس :" ماذا ؟ تفسير ؟ حسنا أسمعنا ما تريد " الشرطي :" حسنا لنعد عند نقطة البداية حينما ذهبت الضحية لتتمشى في ذلك الوقت قابلت القاتل وقام القاتل بطعن الضحية , وعلى حسب ما توصلنا إليه أن الضحية كانت تقاوم القاتل ومسكت يده عندما طعنت , وفي هذه الأثناء خدشت الضحية ظفر القاتل , ولكن آلا يوجد احتمال بأن هنالك من  دبر مؤامرة  ليوقع بالآنسة لجين ؟ " في ذلك الوقت بدت علامات الدهشة تعلو على وجوه الحاضرين , فسأله الرئيس :" فسر ما تعنيه أيها الضابط ساري " رد عليه :" يا سيدي هل خطر ببالك أن أحدهم استخدم نفس طلاء الأظافر الخاص بالآنسة لجين ليوقع بها ؟ " رد قائلا :" ماذا ؟ استخدم نفس الطلاء ؟ ولكن هل هذا معقول ؟ " أجابه الشرطي :" سيكون معقول إن عرف القاتل أي لون وأي علامة تجارية تستخدم الآنسة , اليس هذا صحيح ؟ " أجاب الرئيس :" حسنا هذا معقول جدا , ولكن على أي أساس تفترض ذلك ؟ " رد عليه الشرطي :" حسنا سيكون مجرد افتراض من غير دليل إلا إذا وجدت دليلا يظهر قاتلا آخر غير الآنسة لجين , ألا توافقني الرأي يا سيدي ؟ " نظر الرئيس إلى هذا الشرطي بنظرات قاسية وبعدها أغمض عينيه وتنهد وثم قال :" أيها الضابط ساري  هل تريد القول أنك تعرف قاتلا غير الآنسة وتملك ديلا ؟ أم أنك تضع احتمالات من دون اثبات صحتها ؟ " لقد كان الرئيس صارما جدا وقد بدى وكأنه يريدني سجينة عندهم , على أية حال لم أحب هذا الرئيس قط , فهو الذي أصر أن أخي كان يشرب الخمر , تابع هذا الضابط حديثه :" لا يا سيدي , كلامي مدعوما بالدليل لهذا اسمح لي بأن أوضح كل شيء " أماء إليه الرئيس فشرع هذا الشرطي بالكلام " عندما كانت الضحية في الطابق 22 وبعدها وصل القاتل وأجهز عليه ومن ثم إما استخدم ظفره أو ظفرا اصطناعيا عليه طلاء مماثل للآنسة لجين وذلك ليتهمها , في الواقع لا أملك دليلا يثبت ذلك لأن القاتل قد يكون أخفى هذا الدليل خاصة وأنه دليلا غير واضح , ولكن نستطيع القول بأنه لم ينتبه على شيء ما , ما أعنيه هل تعرف يا سيدي معنى تلك العلامة التي تركتها الضحية ؟ " أجاب الرئيس :" أه تقصد يده اليسرى ؟ حسنا أعتقد أنها بلا فائدة " تابع الشرطي كلامه :" هل هنالك أحد معه مصباح ؟ " كان الجميع ينظرون باتجاه بعضهم وكأنهم يقولون ما دخل المصباح بالقضية , تقدم أحد الشرطة و أخرج هاتفه وشغل المصباح الخاص بالهاتف وقال :" أهذا كاف أيها الضابط ساري ؟ " أجابه الشرطي :" نعم , هذا كاف شكرا لك " في هذه الأثناء كان الشرطي يحاول تقليد وضعية يد الضحية وبعد ذلك وجه الشرطي الآخر الضوء باتجاه اليد , كان ظل يده يصنع شكل أرنب , في الواقع لا أعرف ما معنى هذا ؟ أرنب ؟ وما به الأرنب ؟ ولماذا الضحية تصنع هذا الشكل ؟ ولكني لست الوحيدة التي فكرت بهذا , فوجوه الحاضرين تدل على ذلك ,تحدث ذلك الشرطي ليعطينا تفسيرا عما قام به :" حسنا الشكل الذي كان يريد السيد أن يوضحه للشرطة هو الأرنب , ولكن هذا الأرنب سيوضح لنا من هو القاتل " سأله الرئيس :" أيها الضابط هل تريد القول أن رسالة الميت هي الأرنب ؟ ولكن ما به الأرنب ؟ " رد عليه :" أليس هذا واضحا يا آنسة رنا ؟ " نظر الجميع باتجاهها وتفاجأنا من شيء , لقد كانت الآنسة رنا تضع قلادة على شكل أرنب وأقراط الأذن كذلك  , قالت الأنسة رنا بتلعثم :" ماذا إذا كنت أرتدي هذا ؟ قد تكون مصادفة ؟ هذا ليس دليلا , توقف عن اتهامك هذا أيها الشرطي " قال وكله ثقة :" أنت محقة هذا ليس كافيا , ولكن لماذا ترجفين وتتصببين عرقا وتتلعثمين أثناء حديثك ؟ على أية حال هذا ليس الدليل الوحيد , فكيف ستفسرين وجود هذا في سلة القمامة الموجودة في حمام الطابق الأول ؟ " نظرت الآنسة رنا إلى يده وقد كان يحمل سوارا على شكل أرنب ولكن الغريب في الأمر أن هذا السوار يحمل دماء , تابع كلامه :" عنما لاحظتي تلوث سوارك أدركت أنه سيكون دليلا لإدانتك , لذا أن تتخلصي منه فكرة ذكية وأيضا تتخلصين منه في الدور الأول فكرة أكثر من ذكية حيث لن ينتبه أحد بذلك , ولكن أتدرين سمعت أحدهم مصادفة يقول بسخرية { لقد رأيت الممثلة رنا تذهب إلى حمام الخاص بالعمال } وحينها وجدت هذا هناك , مثير للسخرية صحيح ؟ " كانت الآنسة رنا مضطربة فقد كشفت حيلتها للعلن , قلت بعد ذلك :" لماذا كنت تحيكين مؤامرة ضدي ؟ وليست أي مؤامرة , رنا أجيب على سؤالي " وعندما بدأت الآنسة رنا بالحديث قاطعها ذلك الشرطي قائلا :" لا أحب سماع الأعذار من قاتل , فلا يوجد أي مبرر يسوغ عملية القتل " صرخت الآنسة رنا بأعلى صوت :" وما أدراك أنت بما عانيته بسببهما , ومن أنت لتحكم بأنه ليس لي عذر ؟ " حسنا لقد كان قاسيا معها ولكنه أصبح أقسى فلقد كانت ملامحه جادة وعصبية وقال :" من أنا ؟ أنا شرطي والشرطة تحافظ على القوانين وتراقب عامة الناس ليحافظوا عليها , أنا من يجب أن يسأل من أنت لتكسري القوانين ؟ ومن أنت لتسلبي حياة إنسان ؟ هل أنت آلهة ؟ " حديثه بث الخوف في نفس الآنسة رنا , ولكن ما قاله صحيح نحن لسنا آلهة لنتحكم بحياة البشر , وضعت الشرطة الأغلال على الآنسة رنا وقبل أن يأخذوها إلى قسم الشرطة لمتابعة التحقيق سأل الرئيس الشرطي :" أليست الفتيات يغيرن ألوان أظافرهن باستمرار ؟ إذا لماذا استخدمت هذه الحيلة ؟ فما أدراها بطلاء الآنسة لجين ؟ " أجاب عليه :" هذا لأن الآنسة لجين التقت بها قبل موعد الغداء  " فقلت :" هذا صحيح فقد التقيت بالآنسة رنا لأنها اتصلت بي " سأل أحد الشرطة :" ولكن حتى إذا قابلت الآنسة رنا بالآنسة لجين فهل من المعقول أن تعرف نوع صبغ الأظافر المستعمل ؟ فكما هو معروف هنالك علامات تجارية كثيرة " أجبت على سؤاله :" هذا صحيح ولكنا نحن الممثلات لا نستخدم أي علامة , فأغلب أدوات التجميل نشتريها من شركة SSA , وأيضا الجميع يعلم أني أستخدم هذه العلامة " على أية حال لم أعد أهتم بالقضية وسبب اتهامها لي وإنما كنت مرتبكة عما سيحدث لي بعد ذلك , وأي استجواب سأحصل عليه من قبل هذا الشرطي ؟ قبل مغادرة الشرطي تبادلنا أرقام الهواتف النقالة من أجل الصفقة , ومازال عقلي مشغولا بكلامه وعن المصير الذي ينتظرني , في اليوم التالي ارسل إلي  رسالة كانت محتواها لنلتقي في أحد المطاعم أثناء وقت الغداء , لقد كنت متفرغة بسبب الغاء جلسة التصوير لما حدث البارحة .
       دخلت إلى ذلك المطعم كان ذلك الشرطي ينتظرني بالفعل , جلست أمامه وقلت :" اعذرنا على تأخري " رد علي :" لا بأس , ماذا تطلبين ؟ " قلت له :" دعك من الطعام في الوقت الحالي , فأنا أريد أن أعرف ما يدور في خلدك " في الواقع لم تكن لي شهية بسبب الأفكار التي أحاطت بي ليلة البارحة لدرجة منعتني من النوم , فقال :" حسنا اهدئي رجاء فأنا أريد أن أعرف أشياء عن الضابط أويس " تعجبت من كلامه قائلة :" أخي ؟ ما الذي تريده من أخي ؟ " أجاب :" حسنا هنالك عدة أسباب تجعلني أعتقد أن موته مدبر لا اهمال لذلك أحتاج مساعدة المقربين منه " ما هذا ؟ أهناك شخص آخر غيري مهتم بموت أخي ؟ لحظة ما علاقته بأخي ؟ ولأي مدى وصل في تحقيقه ؟ " لحظة يا سيد ساري , قلت عدة أسباب , صحيح ؟ إذا فالشرطة تبحث بشأن القضية ؟ " رد علي :" بتأكيد لا , فقد اغلقت القضية بالفعل , والأسباب التي منعتني من تصديق الأمر هي أسباب شخصية , لا دليل ملموس " سألته :" إذا ما علاقتك بأخي وأيضا أسمعني أسبابك :" أجابني بوقاحة :" يا آنسة أنا من يسأل هنا وليس العكس , هل نسيت الصفقة ؟ " كما توقعت ذلك الرجل الحقير يريد إذلالي ولكن أنا من وضعت نفسي في هذا الموقف فقلت له :" حسنا اسأل ما تريد "
ساري :علاقتك مع أخوك سيئة ولكن أنت تحبينه ما معنى ذلك ؟
أنا : قبل سنتين ونصف أخبرني أخي بأنه لا يريد أن يعيش معي وأنه يريد قطع العلاقة التي بيننا .
ساري :  يريد قطعها ؟ لماذا ؟ ولماذا تقبلت الأمر ؟
أنا : لا أدري لماذا ولكن وجدت نفسي عائقا في طريقه لذا نفذت ما يريد , حتى أنه أراد مني قول أن علاقتنا سيئة في أحد مقابلاتي .
ساري : عائق ؟؟؟ 
أنا : امممم كيف أشرح ذلك ؟ حسنا والداي ماتا وأنا صغيرة وأخي ضحى بأشياء كثيرة ليعتني بي , لو كنت مكاني لاعتقدت أنك عائق .
ساري : أها فهمت , إذا والداك كيف ماتا ؟
أنا : ماتا في حادث لأن والدي مخمور , أليس والدي أحمق وقد أخذ أمي معه , أما أخي فقد اهتم بي من دون أي شكوى .
ساري : يبدو كأخ جيد , عندما قطعت علاقتكما هل تحدثتما طوال هذه المدة ولو كلام غير مهم ؟
 أنا : لا , لم نتحدث بأي موضوع , خاصة أنه غير رقم هاتفه وانتقل إلى مكان آخر , لم يعطني أي بيانات عنه .
ساري : هذا غريب , ولكن كيف التقيتما بعد هذه المدة الطويلة ؟
أنا : كانت مصادفة .
ساري : ما الحوار الذي دار بينكما ؟
أنا : لم يكن بتلك الأهمية ولكنه قال لي بأنه يمكننا العيش معا .
ساري : أهذا كل شيء ؟
أومأت إليه بالإجاب , في الواقع الحوار الذي دار بيننا كان مهما بالنسبة إلي ولكن لم أشأ أن أخبره بما جرى .

      في يوم مقتل أخي في وقت الظهيرة التقيت به مصادفة , كنت أريد الركض باتجاهه و أبتسم كعادتي , ولكن ما أخبرني به قبل سنتين جعلتني أراقبه من بعيد حتى تقابلت نظراتنا , أشحت بنظري سريعا وعندما التفت ثانية باتجاهه وجدته أمام عيني " أه أخي , لقد مرت مدة منذ آخر لقاء , لم أكن أراقبك أو أي شيء لقد كانت ... " قام أخي بضمي إليه وقد كانت يداه الكبيرتان تضماني بقوة وكأنه لا يريد افلاتي وقد كان يقول :" آسف يا لجين أنت بتأكيد عانيتي , أنت ما زلت صغيرة وأنا تركتك لوحدك , أنا حقا آسف " لقد انهمرت الدموع من عيني ولم أستطع رؤية من حولي من كثرت الدموع , هذا الشخص الذي يضمني بقوة هو أخي الذي كان يعتني بي , هذا الشخص هو أخي الذي ضحى بكل شيء من أجلي , لقد عاد أخي بعد طول غياب , الحمد لله , كان الجميع من حولنا ينظرونا إلينا بدهشه , نظراتهم وكأنها تقول ما الذي يفعلانه في مكان كهذا , لقد شعرت بالإحراج ولكن أن يكون أخي هو الذي يضمني فلا يهمني العالم وما يجري فيه , فأنا أريد من تلك اللحظة أن تدوم للأبد , دعاني أخي إلى مطعم قريب وبدأ يسأل عن أحوالي " أنا بخير يا أخي , لا تقلق بشأني , ماذا عنك ؟ " أجاب :" أنا بخير ولكن جيد أني التقيت بك , كنت أريد زيارتك ولكن لا أملك عنوانك أو رقم هاتفك " ضحكت قليلا وقلت :" أخي أنا ما زلت أعيش في نفس المكان ولم أغير رقم هاتفي " تعجب من ردي وسأل :" لماذا ؟ لقد مرت سنتين بالفعل " قلت له وبصوت حزين :" لأني إن غيرت رقم هاتفي أو مكان إقامتي , فإذا عدت إلي ولم تجدني حينها أنا .. " وبدأت بالبكاء , أخذت يد أخي الكبيرة بمسح دموعي , وقلت في نفسي مر وقت طويل منذ أن لمستني تلك اليد الدافئة , قال أخي :" أنا حقا آسف ولكن من الآن وصاعدا سيعود كل شيء كما كان , بمكننا العيش معا ونتقابل كل يوم , ويمكنني أخذك إلى موقع التصوير كما كنت أفعل سابقا " قلت من الفرحة :" حقا ؟ حقا يا أخي ؟ كل شيء سيعود كما كان ؟ " رد علي بصوت يملأه الحنان :" بالتأكيد ثقي بي , آه صحيح , انظري إلى يدي " نظرت إلى يده وكان يضع خاتما في اصبعه , فسألت :" أخي ما معنى هذا ؟ " ابتسم قائلا :" قريبا سأتزوج , إنها فتاة لطيفة وتمتلك شخصية قوية وهي شرطية أيضا , أريدك أن تقابليها , أعتقد أنك ستحبينها " تفاجأت أن أخي بدأ يفكر في نفسه , فهو دائما ما يقلق علي , صحيح أن زواجه يعني أن اهتمامه سينصب على عائلته الجديدة وليس على , ولكن إذا كانت هذه سعادة أخي فأنا أريده أن يسعى إليها , قلت له :" واو مبارك يا أخي , لا أصدق أن أخي سيتزوج , أي بشرى سارة تلك ؟ ولكن أخي هل أنت سعيد ؟ " كان أخي مستغربا لسؤالي حيث قال :" ما الذي تعنينه ؟ " قلت له :" أخي هل أنت سعيد معها " رد على :" نعم بالتأكيد وسأكون سعيدا إذا ما توافقتما معا , وأيضا أريدك أن تعيشي معنا " ابتسمت قائلة :" كونها شخص اختارها أخي فهي بالتأكيد إنسانة ممتازة , وبالنسبة للعيش معا دعني أفكر بالأمر " قال مبتسما :" حسنا لك ذلك " كان هذا اليوم آخر يوم لي أرى أخي مبتسما , وأول وآخر مرة أتحدث إليه منذ انفصالنا .

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

الفصل الثاني

الفصل الثاني
من أجل الحصول على الشقة أخذت مني وقت ليس بطويل ولكن في قرارة نفسي شعرت وكأنها دهر , شغفي لمعرفة ما بداخلها بالرغم من أنها فارغة وذلك بسبب أن أهل الميت يأخذون أغراضه , ولذلك بمجرد استلامي للمفتاح هرولت باتجاه الشقة , لقد كان قلبي يدق بسرعة رهيبة وكأن طالب مقبل على امتحان ولا يعرف ما هي الأسئلة التي تنتظره , وعندما فتحت الباب لقد كانت الشقة كما هو متوقع فارغة ولكن في جزء ما في قلبي شعرت بالغرابة لم أكن أعرف ما هو ؟ , أصبحت أتجول الشقة لعلي أجد شيئا غريبا فيها , سبب أخذي تلك الشقة وعلى الرغم أنها فارغة هو أني أريد العيش في نفس المكان الذي عاشه الضابط , لعلي أستطيع أن أفكر مثله وأتخذ القرارات كما يجب , أعلم أنه تفكير طفولي وغريب ولكن هذا ما أظنه , كنت على هذه الحال مدة طويلة جدا حتى أني أخذت إجازة في هذا اليوم , وبعد أن تعبت وأرهقت تماما رميت ثقل جسمي على الأرض و أغمضت عيني , وبعد أن أخذت نفسا عميقا مصاحبا لشعور اليأس الذي انتابني فتحت عيني حتى بصرت بشيء غريب في سقف غرفة الجلوس , قفزت عاليا من شدة الدهشة , حيث أن هذا الشيء قد يكون مبتغاي , أسرعت خارجا من الشقة متوجها إلى صاحب المبنى وسألت وأنا ألهث :" يا يا سيدي هل تملك سلما ؟ " استغرب صاحب المبنى من سؤالي وسألني مندهشا :" لماذا تريد سلما ؟ أهناك شيء ما ؟ " علمت حينها أن السيد اعتقد أني وجدت ثقبا ما في الشقة أو علة ما فأتراجع عن البقاء فيها وبعدها قلت :" لا يا سيدي , الشقة جميلة للغاية , إنما أريد السلم لغرض شخصي " تبسم صاحب المبنى وقال :" حسنا الحق بي " توجهنا أنا وصاحب المبنى إلى المخزن الموجود في السرداب <  تحت الأرض > وبعدها طلب مني السيد حمل السلم بنفسي معللا أنه غير قادر على حمله , وعندما أوشكت على فتح باب شقة والدخول إليها تحدث السيد قائلا :" آهااااا , لقد تذكرت " التفت إلى السيد بسرعة " لقد طلب مني صاحب الشقة السابق نفس الطلب , لقد شعرت وكأني سمعت هذا الطلب من قبل , من كان يتوقع أن صاحب الشقة الحالي سيطلب نفس الطلب " تفاجأت من كلامه , حيث أن السيد كان مستغربا من سؤالي لأنه شعر أنه سمعه من قبل , لا لأني أشكو من شيء , فسألته سؤالا :" يا سيدي هلا حدثتني عن صاحب الشقة من قبلي ؟ " سكت قليلا وبعدها قال :" أنا لم أتحدث معه كثيرا , فقد كنا نتحدث عندما يسلم لي إيجار الشقة , وقد كان نادرا ما يأتي إليها , لقد قال أنه شرطي , هل الشرطة تعمل طويلا ولا ترتاح ؟ " فقلت له :" لا أعلم " بصراحة لم أخبر صاحب المبنى أني شرطي فقد خشيت ألا يتعاون معي " ولكن أهذا كل ما تعرفه عنه ؟ " أومأ لي بالإيجاب , بعد ذلك استأذنته للدخول إلى الشقة , ووضعت السلم أسفل المكان الذي لاحظته وبدأت أتسلق حتى أصبحت ألامس السقف و أصبح هذا الشيء واضح معالمه , لقد كان جزء من السقف مغلفا بغلاف مشابه للون السقف حتى لا يبدو غريبا مزقت ذلك الغلاف حتى سقط مفتاح فوق رأسي , حسنا شعرت بألم رهيب , ولكني كنت سعيدا لحصولي على طرف الخيط  الخاص بتلك القضية , كان هذا اليوم الاثنين 27من أكتوبر من نفس العام .
نظرت إلى ذلك المفتاح عرفت حينها أنه مفتاح لأحد الخزانات العامة , وذلك بسبب الميدالية الموجودة فيها , لقد كان من السهل جدا معرفة مفتاح ماذا , في اليوم التالي بعد العصر كنت قد انهيت عملي فتوجهت مباشرة إلى تلك الخزانة وفتحتها , كان بداخلها هاتف محمول من الطراز القديم وورقة , فتحت الهاتف المحمول لكن كما هو متوقع فقد كان يحتاج إلى كلمة مرور , فتوجهت بعد ذلك إلى تلك شقتي  وأوصلت الهاتف المحمول إلى جهاز الحاسوب الخاص بي لكي أخترق الهاتف , حسنا أنا أستطيع أن أخترق البيانات وكان هذا أحد الأشياء التي كانت تسليني لفترة عندما أشعر بالملل , لم يستغرق الأمر مدة طويلة حتى اخترقت الجهاز , ألقيت عليه نظرة وقد كان يحتوي جهات الاتصال اسم واحد فقط كان لشخص اسمه ثي ورقمه مشابه لرقمي مع اختلاف الرقم الخامس , شعرت وكأن هذا الاسم يطاردني , من يكون هذا الشخص ؟ ولكن بعد أن تفحصت الرسائل بين الضابط وثي ذاك شعرت وكأن صاعقة ضربتني , بدأت أرجف قليلا وأقول في نفسي : ما هذا ؟ ما الذي يجري ؟ كيف لشيء كهذا أن يحدث ؟ سبب تلك الأسئلة أن تلك الرسائل كانت منذ ثلاث سنوات إلى الرسالة التي وصلتني , وقد كانت كلها رسائل صوتية , أول رسالة في القائمة كانت في تاريخ 6 من مايو سنة 2022 , وقد كانت تحتوي :" ثي <صوت بكاء> أنا أنا لا أصدق أنك ميت , يستحيل حدوث ذلك <صوت بكاء ونحيب> فقد كنا معا البارحة , كـ كيف حدث هذا ؟ لا لا أستطيع قبول الأمر و ولكن كل ما هو حولي يقول أنك <صوت ابتلاع الريق> مت , حتى الجماد تقول لي ذلك , ولكن يا صديقي أنت لم تنتحر ,صحيح ؟ أنت يستحيل عليك فعل ذلك , هذا لأنك جبان " كان صوت الضابط أويس حزينا وقد كان يبكي , أنا لم أكن أعرف أن الشخص الذي كنت أبحث عنه يكون شخصا من عالم آخر , وأنه عزيز على قلب الضابط , كانت الرسائل مثل اليوميات المختصرة , فقد كان يخبر صديقه بكل جديد في القضية ولكن بطريقة مبهمة حيث لم يقل أي شيء قد يساعدني , ولكن ما فهمته من خلال الرسائل أن الضابط أويس كان يبحث في موت صديقه , الشرطة أعلنت أنه انتحار ولكن الضابط لم يصدق ذلك , وقد كان يعلم الضابط أنه قتل من قبل أحد , وأن الضابط عرف حقيقة كل شيء قبل مماته , أعتقد أن من قتل ثي ذاك هو نفسه من قتل الضابط لأنه شعر بالخطر تجاهه وأراد التخلص منه , هنالك عدة أسئلة تحيرني ولكن أهمها لأي سبب قتل ثي ذاك ؟ و لماذا الضابط أويس أرسل إلي رسالة من هاتفه المحمول الذي عثر عليه محطما بجوار جثته ولم يرسلها من ذلك الهاتف ذا الطراز القديم مثلما كان يفعل دائما ؟ ولماذا لا يخبر صديقه بالتفاصيل كلها ؟ ولماذا كان يراسله أصلا ؟ أكان يحاول أن يجعل صديقه حيا من خلال هذا ؟ وأنه لا يريد تقبل موته إلا أن يظهر الحقيقة للعلن ؟ وأيضا صديقه ذاك من يكون ؟ كانت لدي أسئلة كثيرة لدرجة أنها كادت أن تفجر عقلي ولكن لقد كان يوجد شيء وحيد في ذهني ظل ثابتا وهو أن الضابط أويس تألم كثيرا ولوحده بسبب هذه القضية , وأنه من واجبي أن أظهر هذا بدلا عنه , في هذا اليوم وجدت سببا آخر لتبني تلك القضية , وأن هذه أول مرة في حياتي كلها أن أفكر بشخص آخر غير نفسي .
في اليوم التالي استغرقت كثيرا من الوقت في العمل , ولكن أغلب الوقت كنت أنظر إلى تلك الورق التي وجدتها داخل الخزانة , كانت محتويات الورقة كالتالي اسم احدى المقابر الموجودة في مدينتنا بالإضافة إلى خريطة , لم أفهم ما الذي تشير إليه الخريطة , ولكن إذا كانت تلك الخريطة سترشدني إلى مقبرة فلماذا يتكبد الضابط عناء رسمها ؟ فكل ما عليه حفظ موقعها , في الواقع لم أكن مهتما كثيرا بهذا , بل لم أكن مهتما مطلقا عن هذا الأمر فكل ما فعلته هو تجاهله , وصلت إلى المقبرة وكادت الشمس أن تغرب , كانت المقبرة كبيرة جدا ويبدو أن هناك من يعتني بها فهي جميلة للغاية رغم أنها للموتى , نظرت إلى الخريطة وبدأت أتبع تعليماتها حتى وصلت إلى إحدى المقابر , وقد كانت مقبرة صديقه ثي أو بالأحرى السيد دثيث , بعد أن عرفت أخيرا اسمه الحقيقي هممت للبحث عنه من خلال الشبكة العنكبوتية ولكن أحدهم فاجأني من الخلف قائلا :" من أنت ؟ لماذا أنت واقف أمام قبر زوجي ؟ " نظرت للخلف فقد كانت امرأة تلبس السواد عمرها في أواخر العشرينات أو بداية الثلاثينات , أجبتها عن سؤالها بسؤال آخر :" ماذا ؟ زوجك ؟ هل السيد ثي أقصد السيد دثيث متزوج ؟ " نظرت إلي بعيون مليئة بالكراهية وقالت :" ثي ؟ من أنت لتناديه هكذا ؟ زوجته ؟ أخته ؟ أمه ؟ قريب له ؟ صديقه ؟ " لقد كنت أريد أن أضحك بصوت عالي بسبب ما قالته ولكني لم أستطع , خشيت أن تظنني أسخر منها , أجبتها :" لا , أه صحيح نسيت أن أعرفك عن نفسي اسمي هو ساري ضابط شرطة " وقد أخرجت هويتي لكن تلك المرأة عقدت حاجبيها ونظراتها كانت غاضبة وتحدثت بأسلوب استصغار :" شرطي ؟ آه هؤلاء الأغبياء الذين لا يستطيعون تفرق بين الانتحار وجريمة قتل " وبعدها ضحكت ضحكة ساخرة " حتى إنهم لا يعرفون الفرق بين حادث اهمال وحادث مدبر , أنتم كلكم أغبياء لأن غبي هو الذي يعينكم " في ذلك الوقت ولأول مرة أرى شخص يمقت أحد بهذا القدر , فقد كانت وكأنها تريد قتل جميع من يعمل في الشرطة , ولكني لاحظت شيئا عرفت سبب كرها للشرطة وهو بسبب زوجها فلماذا تذكر حادثة الضابط أويس ؟ سألتها من دون تفكير :" هل تعرفين الضابط أويس ؟ " ردت علي :" وكيف لا أعرف شخصا كان صديق زوجي المقرب , رغم أنه شرطي إلا أنه مختلف عنكم ..." في ذلك الوقت كانت تثرثر كثيرا ولكني لم أصغي بسبب أني لاحظة شيئا قريبا من قبر السيد دثيث , التربة كلها مشابهة ولكن جزء منها بدى وكأنه حديث الترميم , ولكن قبل أن أقترب منه وأحفره سمعت حديث بين رجلين يقترب منا , سحبت ذراع السيدة من غير تفكير واختبأنا , بتأكيد قاومت ولكني استطعت اسكاتها خاصة أنها بدت وكأنها فهمت الوضع , وقف الرجلين أمام القبر و كان الليل قد حل , الأول كان طوله متوسط ونحيفا قليلا وقد كان وجهه مميز ولا يمكن نسيانه , أما الثاني فقد كان قوي البنية وذا طول وقد كان يبدو مثل زعيم العصابات , كان حوارهما كالآتي , الأول :" لماذا علينا المجيء إلى هنا ؟ ها ؟ " رد الثاني :" هذا لأن الشرطي الأحمق كان يأتي هنا " الأول :" لهذا السبب أسألك لماذا يجب علينا أن نكون هنا ؟ ذلك الشرطي قد مات , انتهى كل شيء لماذا علينا فعل هذا إذا ؟" الثاني :" هذه الأوامر , على أية حال أيوجد شيء ملفت هنا أصلا , أعني يبدو لي مجرد قبر , ويستحيل على شرطي حفر قبور لأن هذا ممنوع قانونيا " الأول :" دعك من هذا , هل تسمع شيئا ما ؟ " بدى ذلك الرجل خائفا , حسنا هناك من يخاف أن يذهب للمقبرة وخاصة في الليل خوفا من الأشباح , ولكني أجدهم حمقى , المهم هو أن الرجل الأول بث الخوف في الرجل الثاني حيث قال :" مـ ما الذي تتحدث عنه ؟ لا أسمع شيء ؟ " فجأة ظهر رجل من الخلف وكان يحمل معه مصباح يدوي , ذلك الرجل يبدو وكأنه في أواخر الستينات , وقد كان مخيفا قليلا بسبب المصباح الذي كان معه , قفز الرجلان من الخوف وقد كانا مصدومان للغاية فقد شعرت وكأني رأيت شعرهما بدأ يتحول للأبيض من فزعهما , إلى الآن وأنا أشعر بامتنان لذلك السيد فقد كان هو سبب رحيلهما حيث قال حينها :" لا يجب عليكما التجول في القبر في هذا الوقت المتأخر , يمكنكما المجيء غذا لزيارة أحبائكم " وبعد ذلك أخذوا يهرولون بغية الخروج من القبر, على العموم ابتعدت عني السيدة ووقفت وأنا بدوري وقفت نظر إلينا السيد العجوز وقال :" ما هذا الذي أراه هل استسلمت ونسيت أخيرا دثيث يا عزيزتي " يبدو أن ذلك السيد قد أساء فهم الموقف فلقد كنا نختبئ فقط منهما , رفعت صوتها السيدة وقالت :" لحظة ما الذي تعنيها ؟ أنا أكون علاقة مع هذا الرجل ؟ إنه شرطي وغبي وأيضا أنا لا أخون زوجي " تحدث السيد وقال :" يا عزيزتي أنت ما زلت صغيرة ويجب عليك أن تتزوجي من جديد وتنسي دثيث , لا أعتقد أن دثيث سيعترض " نظرت إليه السيدة وقالت :" أبي هذا ليس من شأنك أنا لن أتزوج ثانية بالإضافة أريد من ابني أن يتذكر من هو والده لا أن أجلب له والد آخر " كان الاثنين يتجادلان حول أمر زواجها و أنا كنت حينها أحفر المكان الذي لاحظته حتى عثرت على صندوق , كان طوله 20 سم وعرضه وارتفاعه 10 سم تقريبا , كنت سعيدا للغاية كوني عثرت عليه قبل هذان , استيقظت من أفكاري على إثر صوت السيدة :" ما الذي تفعله أيها الأحمق بحفر قبر زوجي ؟ هل تريد أن أقايضك ؟ " وقفت على قدمي وأنا مخرج ذلك الصندوق قائلا :" أعتقد أن الضابط أويس وضع هذا هنا , وأن هذان الاثنان كانا يريدان هذا الصندوق ولكن حمدا لله فقد عثرت عليه قبلهما " صرخت علي وقالت :" أنت من تعتقد نفسك أنت مجرد شرطي وضيع .." أوقفها السيد العجوز وقال :" توقفي عزيزتي حتى وإن كان شرطي فليست الشرطة كلهم سيئون فهناك جيدون مثل أويس , أيها الشاب ما علاقتك بالضابط أويس ؟ " فكرت مليا إذا قلت أني أبحث بشأن موت الضابط من أجل كسر حائط الملل الذي يحيطني فأعتقد أن تلك السيدة المتعصبة لن تسمح لي بأخذ الصندوق وقد تجلب ضجة من دون داعي , لذا قلت وبكلام مؤثر :" أنا صديق الضابط أويس , أعني أنا لا أستطيع تصديق ما جرى له , لذلك قررت أن أبحث بشأن الأمر , يجب علي أن أساعده " نظرت إلي السيدة بعيون تملؤها الشفة :" يا لك من شخص وفي , تضع حياة عملك على المحك من أجل السيد أويس , أنا حقا آسفة لأني أسأت الظن , اقبل اعتذاري " لقد شعرت حينها بالسوء حيال كذبي ولكن لا يجب علي أن أهتم , على فقط أن أواصل القتال وإن جعلني أكذب , أخون , أستغل أو أفعل أشياء شنيعة  كل تلك الأمور لا تهمني حتى أصل إلى حل لهذه القضية , قلت لها :" سأقبل اعتذارك ولكن هل تسمحان لي بأن أسألكما عدة أسئلة " أجابت بسرعة قائلا :" بالطبع إن كان سيفيدك بشأن السيد أويس " .

في اليوم التالي ذهبت إلى العمل متأخرا لأني نمت استغرقت في النوم , ولكن عند وصولي إلى القسم وجدت اضطرابا فيه , فسألت أحدهم :" ما الذي يجري ؟ " فرد علي :" ألا تعلم ؟ لقد حصل حادث قتل في فندق الفجر < فندق الفجر هو أكبر وأضخم فندق في البلاد كلها ولا يرتادها سوى الأغنياء والمشاهير مكون من 50 طابق > " فسألته باندهاش :" ماذا ؟ فندق ماذا ؟ من الذي يجرؤ على فعلها هناك ؟" رد علي :" لهذا الجميع مضطرب " جميع من في القسم توجه إلى هناك وأنا بالمثل , كان الوضع كالتالي الضحية هو الممثل المشهور السيد عامر البالغ من العمر 32 , طعن في منطقة أسفل الصدر يسارا مسببة موته في الطابق 19وكانت جثته موضوعة في الردهة على بطن الضحية , مات ما بين الساعة 12:00 و الواحدة ظهرا , من كان معه وفي الغالب المشتبه بهم الممثلان رافع  ذا 44 سنة وعزيز ذا 26 سنة والممثلة رنا البالغة من العمر 29, أولا بدأ رئيس القسم بسؤاله :" لماذا أنتم مجتمعون هنا ؟ ردت الممثلة رنا :" نحن الممثلون الرئيسيون في المسلسل الجديد وأحببنا أن نجتمع معا في الفندق في الطابق 22 قبل بداية أول يوم للتصوير " سألهم سؤاله الثاني :" إذا متى وصل كل واحد منكم ؟" أجاب السيد رافع :" وصلنا جميعا في نفس الوقت تقريبا لم يفصلنا سوى دقيقتان تقريبا , فقد كان موعدنا الساعة 12 ظهرا " تابع الرئيس أسئلته :" إذا عندما جلستم على نفس الطاولة هل غادر أحدكم منها ؟"أجاب السيد عزيز :" هذا صحيح , أولا غادر السيد عامر قائلا أنه ذاهب ليتمشى حتى يصل طلبنا , وبعدها ذهبت أنا مباشرة إلى الحمام في هذا الطابق لم أستغرق سوى 10 دقائق وبعد ذلك ... " اعترضت الآنسة رنا حديث السيد عزيز قائلة :" لقد ذهبت إلى الحمام بعد السيد عزيز بدقائق استغرقت مدة طويلة فكما تعلم الفتيات يستغرقن مدة طويلة " تابع الحديث السيد رافع :" أما أنا فقد ذهبت إلى مكان آخر للتدخين فقد تأخر الطعام كثيرا , لقد كان عزيز عاد حينها " سأل الرئيس سؤالا فاجأ الجميع معلنا عن ما يجوب في خلده :" أهناك أحد منكم لديه ضغينة ضد الضحية ؟ " كانت الدهشة تعتري وجوههم قائلين :" ماااااذااااا أتعني أنك تشتبه بنا ؟؟؟ " أومأ الرئيس بالإيجاب وقال :" هذا صحيح , مع أن هنالك احتمال لغيركم فعل هذا " صرخت الآنسة رنا :" لحظة أنت يا سيد كيف تتهمني من دون دليل ؟ بالإضافة أنا لا أملك ضغينة ضده " أجاب الرئيس :" كوني لا أملك دليلا لإدانة أحد , فأنا لا أملك دليلا لأخرج أحد من دائرة الاتهام , لهذا جميع من هنا في هذا الفندق متهم بذلك " ظهر صوت ساخر من الخلف :" لا تحملين ضغينة ؟ لا تضحكيني أنتم الثلاثة تملكون ضغينة ضده , لا , بالأصح جميع من في هذا المجال يكن الضغينة لغيره , فكل واحد منا يريد أن يقف على العرش ويسقط غيره , حتى وإن أظهرنا المودة أمام الجماهير فهذا من أجل سمعتنا , صحيح يا سادة المتهمين ؟ " نظر الجميع من مصدر هذا الصوت فكانت المفاجأة بالنسبة إلي فأنا لا أعرف بشأن الآخرين , لقد كانت لجين الشقيقة الصغرى للضابط أويس , من كان يتوقع أني سألقاها من دون البحث عنها أو طلب موعد معها ؟ ردت عليها رنا بغضب :" ماذا قلتي ؟ إذا ماذا عنك ؟ حتى أنت تملكين ضغينة , لا بل أنت أكبر مشتبه هنا , فأنت الوحيدة التي لم تكن حاضرة " استغرب الرئيس وقال :" لم تكن حاضرة ؟ " أجابت لجين :" صحيح , فأنا مشتركة معهم في المسلسل , ولكن حصل أمر ما لذلك تأخرت , يمكنك التأكد بأني لم أكن موجودة حين مقتل السيد عامر " تفاجأت من الآنسة لجين فلقد كانت واثقة من نفسها وجريئة , إنها مختلفة تماما عن الضابط أويس , ومختلفة عن الإشاعات من حولها , تحدث السيد عزيز بصوت عالي وقال :" ولكن حتى وإن عرفت الشرطة أنك جئت لتو, قد تكون هنالك حيلة لتنفيذ الخطة " ردت عليه الآنسة بكل ثقة :" صحيح أني لا أحب السيد عامر ولكني لا أكرهه في نفس الوقت إنه مجرد زميل في العمل , بالإضافة أخي الكبير شرطي إذا أنا أعرف جيدا ما هي العقوبة التي ستنتظرني وأن الشرطة ليست غبية إلى هذا الحد لكي لا تعرف حيلتي , ألا تتفق معي ؟" تفاجأت قليلا حيث أنها استخدمت أخوها كدرع لها رغم العلاقة التي بينهما , ردت عليها الآنسة رنا بسخرية :" أخوك الكبير ؟ لا تضحكيني , ألم تقولي بلسانك أنه لا يوجد علاقة بينكما ؟ بالإضافة قد تكوني ارتكبت الجريمة معتمدة على أخوك من أجل التستر عليك " بدت ملامح الآنسة لجين غريبة قليلا لم أستطع فهمها , صرخ الرئيس وقال :" فليتوقف كلاكما أولا سواء كان المجرم لديه أحد في الشرطة أو لا فالجميع سواسية , وأيضا لا تتحدثوا عن شخص قد مات منذ مدة " كان الممثلون مندهشون ومن الواضح أنهم لا يعرفون أن الضابط أويس شقيق الآنسة لجين قد مات , ليست تلك بمشكلة في الواقع , الآن أصبحت الشرطة منهمكة في الجثة ولكني لم أكن معهم , حيث اهتمامي كله منصب على الآنسة لجين , لاحظت الآنسة انتباهي لها وتوجهت نحوي , تراجعت قليلا حيث أني لا أعرف كيف أبدأ معها الحوار ولكنها لم تسمح لي بفرصة وقالت :" أنت أيها الشرطي لما تنظر إلي ؟ أيعقل أنك تشتبه بي ؟ أم أنك معجب بي ؟" أجبتها لا , لا أراكي مجرمة ولست معجبا بك ولكني أراك ككاذبة " تعجبت من كلامي وقالت :" كاذبة ؟ أنا ؟ بماذا كذبت ؟ " أجبتها بصوت منخفض لكي لا يسمعنا أحد :" كذبت بشأن كرهك لأخوك وأنه لا يوجد علاقة بينكما " تفاجأت الآنسة وتراجعت للخلف وقالت بصوت متردد ومنخفض :" ما الذي تعنيه بكلامك ؟ "  أصبح حوارنا وكأننا نتهامس متجاهلين الوضع الذي نحن فيه :" مقصدي واضح يا آنسة , تلك القضية لا تهمني في شيء فالقاتل معروف أصلا , ما يهمني هو قضية الضابط أويس " ردت علي وهي متفاجئة :" ماذا ؟ القاتل معروف ؟ ما الذي تعنيه ؟ " أجبت على سؤالها :" إذا نظر أحد من رجال الشرطة إلى ظفر الضحية سيجد شيئا مثيرا " قالت :" ظفر السيد عامر ؟ ما به ؟ " تابعت كلامي :" علق شيء مثل طلاء الأظافر في ظفر الإصبع السبابة من اليد اليمنى للضحية " سألت متعجبة :" شيء مثل طلاء الأظافر ؟ أهذا يعني المجرم هو فتاة ؟ إذا القاتل .. لحظة كيف عرفت هذا ؟ أعني إن لاحظ أحد ذلك ما كانت الشرطة في حيرة من أمرها " أجبت عن سؤالها :" تستطيعين القول سريع الملاحظة فلقد لاحظت ذلك من أول نظرة , ولكن علي أن أقول شيء أنت أخطأت في توجيه إصبع الاتهام , ما أعنيه ليست الآنسة رنا هي القاتلة بل أنت , أيتها الآنسة لجين " أعلم جيدا أن ما قلت سيصدم الآنسة ولكن هل فعلا هي القاتلة , أم أن هناك شخص آخر , بل الأهم من هذا الحوار الذي سيدور بيننا بشأن موت الضابط أويس هل سيفيدني في شيء ؟ 

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

في طريقي للهلاك


بسم الله الرحمن الرحيم

هذي رواية من تأليفي وبمساعدة صديقتي FT على تحريرها , الرواية تتحدث عن قضية معقدة ومتشابكة , ويحاول بطلنا حل تلك القضية , الرواية فيها الكثير من الغموض والألغاز , وسيتم ذكر في الرواية مدينة لا وجود لها وهي المكان , أما بالنسبة لشخصيات الرواية فأسماؤها أسماء عربية قديمة لا يعرفها الكثيرون , وفي النهاية أقول أتمنى أن تنال الرواية إعجابكم .

الفصل الأول
       البارحة سهرت كثيرا من أجل ذلك الصندوق الذي كان محكم الإغلاق , تعبت كثيرا من أجل فتحه , وعندما فتحته كانت الكارثة , سمعت من قبل أن النبش والبحث خلف الحقيقة قد يسبب الهلاك , أي أن هنالك بعض الحقائق يجب أن تظل طي الكتمان , كنت لا أصدق هذا حيث أن الحقيقة يجب أن تظهر للجميع , ولكن بعد ما عثرت عليه العدو الذي أنا ألاحقه من دون أن أعرف ما هيأته تمنيت أني لم أحاول البحث عنه , والآن بعد أن عرفته أصبحت على شفا جرف , أي خطوة أخطوها يجب أن أحسب لها ألف حساب وإلا كان الموت حليفي , أنا لا أعرف كيف استطاع الضابط أويس أن يظل حيا طوال تلك السنوات ؟ وهل أنا قادر على البقاء حيا ؟ أم سيأتيني الموت غفلة ؟ مجرد التفكير بالأمر يجعل قدمي عاجزتا عن حملي.      
       في 21 من اكتوبر عام 2025   سقطت سيارة من منحدر جبلي في أطراف مدينة شنيك , سبب هذا الحادث هو "الإهمال" حيث كان سائق السيارة مخمورا , فقد وجد قسم التحاليل  نسبة كحول عالية في دم الرجل , طبعا الجميع سيقول ما هو إلا حادث عادي يحدث كثيرا , وأن هنالك مستهترين كثر في العالم , حسنا كنت سأكون مثلهم لو أن هذا الرجل هو شخص لا أعرفه .
      اسمي ساري ذو 24 ربيعا أعمل شرطيا في قسم الجنايات في مدينة شنيك ، أما الضحية هو أويس بلارك شرطي من نفس القسم أعلى مني رتبة ذو 29 ربيعا , توفي في الساعة 09:15 مساء , علاقتي بأويس ليست بعلاقة صداقة أو مصلحة , إنما كانت علاقة زملاء في القسم لدرجة أني لم أتحدث معه سوى مرة واحدة , كانت هذه المرة عندما تم تعيني في هذا القسم وفي تلك المرة تبادلنا أرقام الهواتف والعناوين البريدية , الآن السؤال المحير لماذا أنا الوحيد في القسم من يعتقد أن الضابط أويس مات مقتولا وليس حادث , لقد جعلني هذا الاعتقاد أفقد أعصابي , رغم أن هناك من في القسم يعرفه جيدا وتحدث معه كثيرا .
       بعد يومين من الحادث ذهبت إلى عملي كالعادة وقد سمعت صوتا عاليا قادم من غرفة القسم , لقد كان رئيس القسم يعاتب أحد الضباط قائلا : " أتريد القول بأن الشرطي أويس لم يشرب كحول ؟ إذا أتفسر ما سبب وجود الكحول في دمه ؟ اسمع جيدا نحن شرطة نتبع الأدلة ونحكم من خلالها وليس بأحاسيسنا " لقد اعتقدت أن سبب صراخ الرئيس هو أن بعض من يعرفون الضابط أويس احتجوا عن طريقة موته , حيث أن من المعلوم عن الضابط أويس لم يشرب الكحول أبدا بل لا يطيق الاقتراب منه , بعد هذا الصراخ كنت قد جلست في مكتبي أراجع بعض المستندات ولكن ما حدث في تلك الليلة كان يسيطر على كل أفكاري وأحاسيسي ويجعلني عاجزا عن القيام بأي شيء .
      في تمام الساعة 08:30 من يوم الحادث الذي غير حياتي كلها كنت جالسا في مقهى قريب من شقتي أقرأ كتابا عن كيفية قضاء الوقت من دون ملل ، حسنا أنا شخص سريع الملل فلا أحب الارتباط بشيء مدة طويلة أنا حتى لا أحب التعامل مع نفس الناس مدة طويلة فسرعان ما أمل منهم ومن طريقة حديثهم , أعلم أنها عادة سيئة مني ولكن هذا هو أنا , على أية حال في ذلك الوقت وصلتني رسالة في هاتفي المحمول وأنا أفتح الرسالة أجد أن المرسل هو الضابط أويس في الواقع كنت متفاجئا جدا حيث لم نتبادل أطراف الحديث قبلا ولم تكن علاقتنا بذلك القرب لتبادل الرسائل , فأي سبب جعله يرسل إلي رسالة ؟ وما هو مضمونها ؟ بعد تفكير مطول فتحت الرسالة فكانت رسالة صوتية بصوت الضابط أويس " ثي لقد انتهى كل شيء انتهت تلك الثلاث سنوات لقد أنهيتها , لقد حللت اللغز الذي كان يلف حولنا لم يبقى إلا نشره في جميع بقاع العالم عليك أن تبتسم افرح اقفز ارقص فلقد فككت السلاسل المعقودة " قلت في نفسي بعد سماع الرسالة : " ها ؟ ثي ؟ من هذا ؟ فتاة ؟ بل الأهم أي لغز يتحدث ؟ ولماذا ارسل تلك الرسالة إلي ؟ لقد بدى الضابط في الرسالة سعيدا للغاية وهائجا لقد اعتقدت أنه شخصا من النوع الهادئ ، هل هذا لغز أرسله إلي الضابط أم أن هذا مجرد رسالة استهزاء , في الواقع كنت قلقا ولكن نار الحماس كان أكبر , مهما كان سبب هذه الرسالة فهي ستقتل الملل الذي يعتريني , ولكن حدث مالم يكن متوقع فقد مات بعد ارساله تلك الرسالة بخمس وأربعون دقيقة , لم أكن أفهم ما يجري , موته جعلني أقف بلا حراك , أحسست بأن الظلام خيم علي فجأة , لقد كان يتحدث في الرسالة بسعادة كيف وصل الأمر إلى نهاية تعيسة , بعد أن هدأت قليلا بدأت أفكر بتمعن في الموضوع , هو كان سعيدا بإنهاء أمر ما , كنت سأصدق أنه مات لأنه قاد السيارة بتهور من السعادة , ولكن أن يشرب كحول قبل ذلك ويموت بسببه ؟ إنه أمر مستحيل , ولكن ربما هو كان مخمورا قبل ارساله الرسالة , فطبع الضابط أويس هادئ فربما انفعاله كان سببه الكحول , ولكن معروف عنه أنه لا يشربه وأيضا هل هناك شخص سكير يتحدث عن حله لقضية ما وبسعادة ؟ بالإضافة الضابط أويس يتمتع برباطة جأش وحسن التصرف في الأوقات الصعبة , كل تلك الأسئلة جعلتني أفكر بشيء واحد وهو موته مؤامرة لا اهمال , وعندما كنت في مكتبي سارحا في هذه القضية التي ستسبب هالات سوداء تحت عيني في المستقبل سمعت بمحض المصادفة ضابطان يتناقشان موضوعا مهما , الأول : " أتساءل كيف ستكون حالة مخطوبة الضابط أويس ؟ " رد الثاني قائلا : " ربما تترك العمل ، ألا تعتقد ذلك ؟ " قفزت من كرسيي وكأنني كدت أن أضرب السقف : " لحظة إذا سمحت , ما الذي تعنيه بمخطوبته ؟ " رد أحدهما : " ألا تعرف أن الضابطة شاكي من قسم المرور هي مخطوبة الضابط أويس ؟ " رددت عليه مندهشا : " كان مخطوبا ؟ لحظة قلت الضابطة شاكي ؟ هذا يعني أنها تعمل هنا , حسنا شكرا على المعلومة " أسرعت بسرعة البرق إلى قسم المرور لأسأل عن تلك الضابطة ولكن للأسف عندما وصلت هناك  كانت قد قدمت استقالتها بالفعل وغادرت , أصبت باليأس قليلا ولكن حاولت أن أتحدث إلى زملائها في العمل لعلهم يعرفون أي بيانات عنها و أخيرا حصلت منهم على عنوان شقتها بعد إلحاح شديد.
      بعد إنهائي من عملي أسرعت إلى منزلها لأنني لم اطق الانتظار أكثر من ذلك وكرهت أن أتصل بها لأنها قد لا ترد , وعند وصولي طرقت الباب فرد علي صوت هزيل : " نعم ؟ من الطارق ؟ " فرددت عليها : " آسف على إزعاجك يا أيتها الشرطية أنا الضابط ساري من قسم الجنايات " فتحت الباب و طلبت مني الدخول كان وجهها شاحب وكأنها لم تأكل منذ مدة طويلة وكانت عيناها حمراوتان وكانت ترتدي السواد وقد كان هناك الكثير من الصناديق وكأنها تريد ترك الشقة , عرفت حينها أنها ماتزال في حالة صدمة وسيكون من السهل استجوابها , فسألتها : " هل ستتركين الشقة ؟ " فردت بصوت حزين : " نعم لم يعد باستطاعتي البقاء في هذه المهنة أو هذه المدينة أكثر من ذلك , ففي كل مكان في المدينة تذكرني به " وشرعت بالبكاء عرفت حينها كم هي أحببته وكم كانت تعزه , انتظرتها حتى تهدأ وبعد ذلك اعتذرت مني , فقلت : " أعلم أن ما سأقوله ضرب من الجنون وأن هذا ليس في محله ولكن كونك من المقربين من الضابط أويس هل تعتقدين أنه مات بسبب اهماله ؟ " هزت رأسها نافية أنه مات بسبب الاهمال حينها تابعت كلامي :" إذا ألا بأس إذا طرحت عليك أسئلة بخصوص السيد أويس ؟ " أومأت برأسها بالإيجاب فقلت :" إذا هل كان يشرب الكحول ؟ هل تحدث معك أو قابلك في يوم الحادث ؟ " قالت :" أويس لم يشرب قط الكحول لذلك أنا لا أصدق ما قالوه عنه أما بالنسبة إذا تحدث معي أو لا فقد تحدثنا بالهاتف مرتين في اليوم ولكن لم نتقابل " فقلت بعدها :" فهمت إذا ألا بأس إذا عرفت موعد اتصاله بك ومضمون الحديث الذي دار بينكما ؟ إذا كان موضوعا خاصا لا بأس يمكنك تخطي الأمر " أجابت :" لا لم يكن خاصا , أول اتصال كان في الساعة الثانية ظهرا يعلمني بأنه سينهي عمله باكرا لذا سنذهب في موعد الساعة السابعة ونصف مساء ولكنه اتصل في تمام السادسة وثلث يعلمني أنه لا يستطيع مقابلتي في ذلك الوقت لذا سيلغي الموعد " تنهدت لعدم وجود أي فائدة في الاتصال وقلت :" إذا هل تعلمين من قابل في ذلك اليوم ؟ على حسب علمنا لم يقابل إلا شقيقته الصغرى في تمام الثالثة عصرا بعدما تحدث معك " أجابت قائلة :" أه سمعت بهذا من الشرطة لقد صدمت من الأمر حيث علاقتهما لم تكن جيدة لدرجة أنهما لم يتحدثا معا منذ ثلاث سنوات " تفاجأت من الأمر قائلا :" ثلاث سنوات ؟ ما بال هذان الاثنين ؟ لحظة بالحديث عن ثلاث سنوات هل تعرفين إذا كان السيد أويس يبحث في قضية ما ؟ " أجابت بسرعة :" أويس لا يتكلم معي بشأن العمل فهو دائما ما يكون منهك من العمل لذا كان يريد أن ينسى بشأن العمل عندما يكون معي " فقلت لها :" إذا هل تعرفين أحد اسمه ثي ؟ " لاحظت علامات اندهاش منها وقالت وهي تتلعثم :" ثـ ثـ ثي ؟ من أين سمعت بهذا الاسم ؟ " اجبتها :" لقد حدث وسمعته إذا من يكون ؟ ردت بصوت متردد :" ذلك الاسم لم أسمعه سوى مرة واحدة في حياتي إني أعرف أويس منذ سنتين و نصف تقريبا في بداية علاقتي به ,عندما كان مريضا في أحد الأيام سمعته يتحدث أثناء نومه وينادي بثي كنت حزينة بأنه يعرف فتاة أخرى ولكنه لم يكن هذا النوع من الرجال الذي يتلاعب بالآخرين وأيضا لم أسمع بهذا الاسم ثانية لذا تجاهلت الأمر " فوجئت قليلا حيث أن مخطوبته لا تعرف عن الأمر ولكني تابعت أسئلتي :" هل كان هناك عادة غريبة للسيد أويس ؟ " أجابت بسرعة وفي وجهها بعض علامات السعادة اعتقدت حينها بأنها عادة مضحكة وقد تكون بلا فائدة ولكني أصغيت إليها , لأن ما ستقوله ذكرى سعيدة بالنسبة لها  " عندما يريد أويس اتصال بشخص ما أو كتابة رسالة ما فإنه يكتب رقم المرسل إليه لا أن يأخذه من جهات الاتصال , لقد كان ذكيا وسريع الحفظ لذا كان يحفظ جميع جهات الاتصال " استغربت من تلك العادة فقد كانت غريبة للغاية أيعقل أن بسبب تلك العادة أرسل إلي تلك الرسالة ؟ إذا رقم المدعو بثي مشابه لرقمي وأن هذا الخطأ حدث إما من سعادة الضابط أو أنه كان مستعجلا , كان هذا أول شيء طرأ على بالي ولكن فجأة ملامح الآنسة شاكي تغيرت وأصبحت جادة , عرفت حينها بأنها بدأت تسترجع حواسها وقالت :" لحظة أنت يا سيد من تكون بالنسبة لأويس ؟ بالإضافة تلك القضية مغلقة , ما الذي تريده بالضبط ؟ " رددت عليها بصوت واثق من نفسه :" أنا أيضا لا أعتقد بأن هذا حادث " اعترضت كلامي وقالت :" إذا أنت تبحث بشأن موته ؟ هل تعرف بأن رئيسك إذا علم بالأمر ستفصل من عملك ؟ لأي سبب تضع عملك على المحك ؟ تنهدت قليلا فقد كان كلامها صحيحا إني أعرض عملي للخطر ولكن كما توقعت حماسي للأمر وكرهي بأن أكون ضحية للملل هو من وضعني في هذا الأمر , قلت لها :" إنه القدر من وضعني في هذا " كانت علامات الدهشة واضحة منها , حسنا كلامي كان غريبا ولكن كان حقا ما أعنيه " حسنا أنا سأذهب الآن لقد تشرفت بلقائك وبالحديث معك وأيضا شكرا على المعلومات , وأريد منك أن تتفاءلي لأني سأجعل من الرؤساء يفتحون القضية مرة أخرى " ابتسمت لي وقالت :" شكر جزيلا لك يا ضابط ساري " وتبادلنا تحية الشرطة قبل أن أغادر .
      حديثي مع الضابطة السابقة شاكي جعلني أشك في سبب ارسال تلك الرسالة إلي بالإضافة جعلني أريد معرفة شقيقة الضابط أويس الآنسة لجين بلارك , هي ممثلة مشهورة في لطافتها وتصرفاتها المهذبة وهي في نفس عمري , ولكني قررت الذهاب إلى شقة الضابط أويس قبل ذلك , وعندما وصلت إلى هناك تحدثت إلى صاحب الشقق في ذلك المبنى :" يا سيدي هل لديك غرفة فارغة ؟ " فرح صاحب المبنى وقال :" أه بالتأكيد أملك , لدي غرفتان هل تريد رؤيتها ؟ " أجبته بالإجاب في الواقع كنت أريد الحصول على غرفة الضابط أويس , اعتقدت أني إذا عشت في نفس المكان الذي عاش فيه , فربما أعرف بماذا كان يفكر , لقد فكرت واعتقدت إذا كان الضابط يبحث في قضية ما وأنها دامت لثلاث سنوات إذا فهي في غاية التعقيد والسرية , وإذا مات مقتولا إذا من قتله له علاقة بالقضية , أيضا كونه كان يبحث في أمر ما فهو بالتأكيد يخفي هذا الأمر بشكل جيد يمنع الآخرين من معرفته حتى المقربين , وقد يكون مفتاح القضية في منزله , عندما دخلت الشقة بدأت تتسارع دقات قلبي , وبدأ العرق يتصبب في جميع أنحاء جسمي , عرفت حينها أن هذا بداية كل شيء , بداية تخلصي من الملل وإن كان لفترة قصيرة , وبداية لأحفر في قضية دامت لثلاث سنوات , وبداية لأعرف ما الذي أخفاه الضابط أويس كل هذه المدة , ولأعرف ما الذي قاساه ذاك الرجل كل هذه الفترة.